الأحد، 6 يناير 2013

تـركـيـبـة الـعـمـر..




ها هو عودٌ بعد انقطاع ..


كنت أتجول بين بعض الملفات المخزنة في أرشيف ذاكرتي خلال ما يقارب ثلاثة عقود من الزمن..
 
عندها بدا لي ملف من الزمن القديم ، يكسوه الغبار .. باهتة ألوانه التي ذكرتني بسيرة من العمر قديمة لها ملامحها وطابعها وخصوصيتها..
 
وهكذا مررت على عدد من الملفات العالقة في الذاكرة تنبئ عن محطات متنوعة في مراحل متعددة من العمر وصولا للزمن الحديث واللحظة الحالية التي أعيشها في ذاكرتي..



وبمعنى آخر مرَّ علي الزمن (1) والذي كنت به في العام الأول من عمري وما به من خصوصية ذلك الوقت من ناحية المظهر والمحتوى .. والزمن 2 .. والزمن 3 .. والزمن 4 ....وهكذا .. مرّت تلك الأزمنة بملفاتها وملامحها حتى وصلت إلى زمني الحالي.. الزمن (31) لأقف عنده مع ما به من خصوصية هذا الوقت ..

لا أظن أن هذا أمرا يخصني وحدي.. فأنت كم مرة صدرت منك ابتسامة أو تأوه أو دمعة لأنك ذكرت أمرا في زمنٍ من أزمانك الغابرة.. لذلك  أدعوكم لتأمل هذا الموقف..

كل شخص منّا له أزمنته الخاصة به.. فمنّـا من هو في زمنه الـ21 .. ومنّـا من هو في زمنه الـ50 ومنّـا من هو أكثر من ذلك أو أقل..

غير أننا جميعا ننتقل من زمن لآخر مرة بعد مرة ..
إضافة أننا جميــــعا بدأنا من ذات الزمن رقم (1) ..

أيا كان الزمن الذي تعيش فيه الآن دعنا نقارن بين زمنين.. الزمن (1) والذي نشترك فيه جميعا وبين الزمن الحالي وسآخذ على ذلك المثال زمني انا (الزمن 31) ..

لنحاول أيها الأحباب أن نلعب لعبة الفروقات..
ولنحاول التعرف هل من تغيرات طرأت على حياتنا بين تلك الأزمنة؟
وإلى أية مدى لابد من أن يكون الفارق موجودا..؟


دعونا نقارن بلغة الرياضيات مثلا..
إن الـ (1) رقم و الـ (31) عدد.. *
إن الـ (1) خام بنفسه و الـ (31) مكون من مجموع غيره..
إن الـ (1) من خانة و الـ (31) من خانتين..
إن الـ (1) أصـغــر من الـ (31) قيمة..
وما إلى ذلك من فروق منطقية ظاهرية قد يجهلها البعض لكن لا يمكن إنكار صحتها..
أي أنه لا يمكن أن يكون هناك تشابه بين الرقم (1) والعدد (31) لا شكلاً ولا مضموناً ولا قيمة . هذا على مستوى الرياضيات والأرقام..

وكنت أقصد بذلك أعمارنا وسنون حياتنا التي مرت علينا منذ ولادتنا وحتى الآن .  أتوقع أن المقارنة أبلغ على مستوى الأعمار والواقع..  فنحن ننتقل من زمن لآخر.. وهذا أمر طبيعي..
لكن من غير الطبيعي أن نجد أناسا يحيطون بنا ينتقلون في اسم الزمن فقط دون مضمونه.. فهم يحملون زمنا في عدده وقيمته أكبر من الواقع الذي يعيشون فيه..!!
 
قد تجد مَن زمنه الذي يمتلكه مثلا (23) بينما حقيقة الأمر تُظهر أن تصرفاته وسلوكياته ومتغيرات حياته تحمل في قيمتها الزمن (13).. !!
وهكذا للأسف الشديد .

إن هناك أشخاص لم يتغير عليهم شيء - من الزمن 1 إلى الزمن 19 أو 20 أو 35 أو غيرها - لم يتغير بشكل كبير سوى مظهرهم وأحجامهم..
 
 
أما القيمة والمحتوى فهو بطيء التغير أو قد يكون متوقف عن التغير من سنوات.. !!

وهذه مشكلة كبيرة ..
أراها من أسباب جعل أمتنا تعيش واقعا ليس لها أصلاً لأن عدداً من أبنائها يعيشون زمناً ليس زمنهم الفعلي...
فـعـندما تكون في زمنك الـ (1) أنت تملك خصائص وقـــيمة تــنــاســـب ذلك الــــزمــــن..
وعندما تكون في زمنك الـ (20) فأنت تمتلك ما يخص ذلك الزمن من قيمة وخصائص..
وهكذا كلما ازداد زمنك كان لزاما أن تتغير خصائص مرحلتك والقيمة التي تحمــلــهـا..
 
 
إن العدد (31) يحمل في طياته قيمة الأرقام والأعداد التي سبقته ويزيد عليها قيمته الفارقة نحو الأمام والتقدم والتي تختلف عن سابقه وهذا ما يكسبه قيمته الخاصة..
وهكذا الأصل في حياتنا..
 أن يكون الزمن الذي نعيشه يحوي في طياته خبرات وعلوم وتجارب الأزمنة السابقة ويزيد عليها كل جديد مما نتعلمه ليشكل فارقا وتميزا..
لا أن تمر الأزمنة دون أثر أو قمية حقيقية تُذكر..

وإن لم نحقق ذلك فإننا كمن ينكر الفرق بين الـ(1) و الـ(31) إلا في الشكل الظاهري.. ولايدرك أن هناك فرقاً مهماً في القيمة ..


ومقابل ذلك فإني أثني وبقوة على أولئك اليقظين ممن تفوقوا فوصلوا بواقعهم وقيمة تميزهم إلى زمن يفوق العدد الذي يمتلكونه.. وكما يُقال : " أداؤه أكبر من عمره.. "  :)



هذه تركيبة أعمارنا..
بين الزمن (1) والزمن (؟) الحالي أمضينا عمرا...
وبين هذا الزمن (؟) الحالي والزمن في المستقبل -بإذن الله- ستمضي عمرا ...
 
 
فأي قيمة تريد لعمرك ..؟
          ومـا هي حياتك التي تسعى لها ؟؟
                    وأي تركيبة من العمر تنشد..؟

 

 





نبض الحياة
د.حسين عيادة

6 التعليقات:

من أجمل ما قرأت رائعة هي الحروف الرشيقة عندما تتناغم مع العقل والمنطق أسلوبك شيق دكتور في طرح الموضوع وتقريبهة للأذهان بتركيبة تلامس شغاف القلب وتطرق على أبواب العقل في ذات الوقت .. نعم هي تركيبة العمر الفريدة التي غالباً من نجهلها أونتجاهلها حقيقة أننا خلال الفترة الزمنية الفاصلة ما بين بداياتنا إلى مرحلتنا العمرية التي نعيشها الآن ..أو ربما تمتد بالبعض إلى نهايات حياتهم دون أن يدركوا هذه التركيبة ..ودون أن يضيفوا إلى رصيدهم العمري أي معرفة تذكر فيتقدم بهم العمر سنينا طوال.. بينما تظل عقولهم صحراء خاوية.. ورصيدهم من التجارب والأفكار لم يرتقي بهم أو يغير من أسلوب حياتهم.. فيمر بهم العمر دون أن يلحظوا ذلك ودون أن يحققوا أي هدف في الحياة .. هنا تكون المقارنة المؤلمة بين هؤلاء وبين من جعلوا من ساعاتهم وأزمانهم رصيدا من التجارب وموطنا لتحقيق الطموحات والأحلام فيسعى أولئك نحو القمة وكلما تقدم بهم الزمن كلما زادوا قربا منها وربما يسبقوا الزمن أحيانا ليرتقوها قبل الأوان .. نعم فنحن مع سباق مع الزمن والنتيجة النهائية هي التي تحسم وتحدد من الذي يفوز مع أن البدايات تكون واحدة إلا أن النتائج دوما مختلفة .. والغلبة في النهائية لمن فهم وأدرك سر تركيبة العمر التي تتطلب النمو لكل من العقل والزمن الهدف والعمر باطراد وليس بطريقة عكسية .. نعم هي تركيبة العمر .. دمت بخير دكتور

مقال رائع يدعونافي حياتنا لزيادة التمحيص والتدقيق والتخطيط والمحاسبة .. أشكرك بلاحدود .

AHH
أهلا وسهلا ومرحبا بك..
إضافتكم جميلة بجمال طلتكم هنا..
أحسنتم تلخيص القول بـ "سر تركيبة العمر التي تتطلب النمو لكل من العقل والزمن الهدف باطراد"
شكرا لكم..

أ.غادة العبدلي.. أهلا بك..
وأتشرف بأحرفك هنا دوما..

كثيرا ما يمضي الزمن أسرع من إدراكنا.. فدعوة للتمحيص فعلا..

العفو بلا حدود :)

أهلا بك أ.عدنان..
النور نورك :)

إرسال تعليق

يسعدنا نبضك هنا..