الخميس، 16 مايو 2013

هل أدركت الموقف؟

أهلا بكم من جديد..
 


وقفت على شخص فقد وظيفته ظلما في يومِ وليلة دون سابق إنذار.. والسبب وشاية كاذبة..
بات بعدها شهرا كاملا يبكي في كل ليلة ويعتليه الحزن لما تراوده من الأفكار والخيالات التي يخشاها حول مستقبل أبنائه وأسرته وكيف يعيش دون مصدر دخله الوحيد ذي الـ (9.000) ريال شهريا ...
 
أرى أن تأثره واقع قد يصيب الكثير منا إن مروا بذات التجربة المؤلمة هذه..
فهكذا نحن تهزنا المواقف والأحداث كثيرا.. خاصة تلك التي تمس حياتنا ومن نحب..
 
إنه طبع بشري أن نقاوم كل تغيير متوقع حدوثه مسبقا كي نحافظ على دائرة ارتياحنا وأمننا في الحياة.. ولكوننا نخاف من المستقبل المجهول.. هذا ونحن نعلم قرب التغيير..
فكيف بالله عليكم إن كان التغيير الكبير يأتي بغتة دون سابق إنذار ؟!؟
 
--------
 
الحياة مليئة بالتجارب القاسية..
ولكن ما لا ندركه إلا متأخرا أن تلك الأحداث والتجارب القاسية ما هي إلا حلقة وصل وجسر عبور للوصول إلى الضفة الأخرى الرائعة و النهاية السعيدة التي قدرها الله لنا..
وجيد أن ندرك هذا... لكن المشكلة أنه (الإدراك) يأتي متأخرا أي بعد أن نكتشف الفائدة الجديدة المتحققة..
 
تغيير بسيط في ترتيب معادلة الإدراك أعلاه له أثر كبير على سلوك حياتنا ونظرتنا للتجارب القاسية..
 
فلو أننا عند وقوع الحدث مباشرة أدركنا أنه محطة مرور وجسر عبور لمنطقة أفضل قدّرها الله لنا .. لو أننا أدركنا ذلك مسبقا لتلافينا الكثير الكثير من التوتر والحنق والضيق والحزن الذي يعترينا..
 
أليس هذا ما دلنا عليه الحبيب عليه الصلاة والسلام عندما قال : " ما من عبدٍ تصيبُه مصيبةٌ فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون . اللهمَّ ! أْجُرْني في مصيبتي وأَخلِفْ لي خيرًا منها - إلا أجَره اللهُ في مصيبتِه . وأَخلِفْ له خيرًا منها " حديث صحيح .
 
إنها دعوة للوعي والإدراك بالعواقب الجميلة والحسنة التي يخبئها لنا اللطيف الخبير جل في علاه..
ما أريد الوصول إليه هو أن نعكس إدراكنا..
أريد أن نتعلم جميعا وأنا أولكم كيف ندرك مبكرا عاقبة الأحداث في مجملها وأنها خير عائد إلينا مهما كان الظاهر قاسيا ومؤلما..
 
تستحق حياتنا أن نضيف هذه النظرة لها خصوصا عندما نتعامل مع ربّ كريم لطيف رحيم _سبحانه_ والذي قال في الحديث القدسي : ( أنا عند ظن عبدي بي إن ظن خيرا فله، و إن ظن شرا فله ) صحيح .
 
 
جربوها لتشعروا بعمق الراحة والطمأنينة..
وكيف أننا سنوفر الكثير من البؤس والحزن لنتعجل ونتطلع للفرج والمنحة الربانية..
 
وأخيرا .. فإن صاحبنا الذي بدأنا معه المقالة قد أدرك لكن متأخرا أن الله اختار له الأفضل..
فتلك الوشاية الكاذبة وذاك القرار الظالم .. كانا سببا أن  نال وظيفة مرموقة وبضعف الراتب السابق مباشرة بعد نهاية شهر الحزن والبكاء والهمّ ... كتب الله له الخير والتوفيق..
 
 
دمتم موفـقـيــن أيها الرائعون... وختــامــا .. 
فهذه هي الحياة.. طريق من درجات مكتوبة تأخذنا إلى النهاية فلا قيمة للعيش دون حركة وتغير وتبدل.. وإليكم من جميل شعر الشافعي : 

إني رأيـتُ وقــوفَ الــمـــاء يـفـســدهُ :::: إِنْ سَاحَ طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِــب
والأسدُ لولا فراقُ الأرض ما افترسـت :::: والسَّهمُ لولا فراقُ القوسِ لم يُصِـب
والشمس لو وقفت في الفلكِ دائمـةً :::: لَمَلَّهَا النَّاسُ مِـنْ عُـجْمٍ وَمِنَ عَــــرَبِ
والتَّـبْـرُ كـالتُّــرْبِ مُلْقَـى فـي أَمــَاكِنِهِ  :::: والعودُ في أرضه نوعً من الحـطــب


 
نبض الحياة
د.حسين عيادة